فصل: باب القضاء على الغائب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. كتاب القضاء:

أَيْ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ (هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) فِي حَقِّ الصَّالِحِينَ لَهُ فِي النَّاحِيَةِ فَيُوَلِّي الْإِمَامُ فِيهَا أَحَدَهُمْ لِيَقُومَ بِهِ (فَإِنْ تَعَيَّنَ) لَهُ فِيهَا وَاحِدٌ بِأَنْ لَمْ يُصْلِحْ غَيْرَهُ (لَزِمَهُ طَلَبُهُ) وَقَبُولُهُ إذَا وَلِيَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَاحِدٌ فِي النَّاحِيَةِ بِأَنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ (فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ وَكَانَ) أَيْ الْأَصْلَحُ (يَتَوَلَّاهُ) أَيْ يَرْضَى بِتَوْلِيَتِهِ (فَلِلْمَفْضُولِ) وَهُوَ غَيْرُ الْأَصْلَحِ (الْقَبُولُ وَقِيلَ لَا) وَيَحْرُمُ طَلَبُهُ وَتَوْلِيَتُهُ, (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يُكْرَهُ طَلَبُهُ وَقِيلَ يَحْرُمُ)، وَالْفَاضِلُ يَنْدُبُ لَهُ الْقَبُولُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّلَبُ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ لَا يَتَوَلَّى فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ (وَإِنْ كَانَ) غَيْرُهُ (مِثْلَهُ فَلَهُ الْقَبُولُ وَيُنْدَبُ) لَهُ (الطَّلَبُ إنْ كَانَ خَامِلًا يَرْجُو بِهِ نَشْرَ الْعِلْمِ أَوْ) كَانَ (مُحْتَاجًا إلَى الرِّزْقِ) وَيَحْصُلُ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَامِلًا وَلَا مُحْتَاجًا إلَى الرِّزْقِ (فَالْأَوْلَى) لَهُ (تَرْكُهُ قُلْت)، كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَيُكْرَهُ) لَهُ الطَّلَبُ وَالْقَبُولُ (عَلَى الصَّحِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)، وَالثَّانِي هُمَا خِلَافُ الْأَوْلَى (وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ بِالنَّاحِيَةِ) كَمَا تَقَدَّمَ أَخْذًا مِنْ هُنَا.
(وَشَرْطُ الْقَاضِي) أَيْ مَنْ يُوَلِّي قَاضِيًا (مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ) أَيْ بَالِغٌ عَاقِلٌ (حُرٌّ ذَكَرٌ عَدْلٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ نَاطِقٌ كَافٍ) فَلَا يُوَلَّاهُ رَقِيقٌ وَامْرَأَةٌ وَفَاسِقٌ نَقَصَهُمْ وَلَا أَصَمُّ وَأَعْمًى وَأَخْرَسُ وَمُغَفَّلٌ وَمُخْتَلُّ النَّظَرِ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ (مُجْتَهِدٌ وَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ) هُوَ مُتَعَلَّقُ الِاجْتِهَادِ (وَخَاصُّهُ وَعَامُّهُ) وَمُطْلَقَهُ وَمُقَيَّدَهُ (وَمُجْمَلَهُ وَمُبَيَّنَهُ وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ وَمُتَوَاتِرَ السُّنَّةِ وَغَيْرَهُ) أَيْ الْآحَادَ (وَالْمُتَّصِلَ وَالْمُرْسَلَ) أَيْ غَيْرَ الْمُتَّصِلِ، (وَحَالَ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا) فَيُقَدِّمُ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ الْمُعَارِضِ لَهُ وَالْمُقَيَّدَ عَلَى الْمُطْلَقِ وَالنَّاسِخَ وَالْمُتَّصِلَ وَالْقَوِيَّ (وَلِسَانَ الْعَرَبِ لُغَةً وَنَحْوًا وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إجْمَاعًا وَاخْتِلَافًا) فَلَا يُخَالِفُهُمْ فِي اجْتِهَادِهِ (وَالْقِيَاسَ بِأَنْوَاعِهِ) الْأَوْلَى وَالسَّلْوَى وَالْأَدْوَنُ فَيَعْمَلُ بِهَا كَقِيَاسِ الضَّرْبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى التَّأْفِيفِ لَهُمَا وَقِيَاسِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ فِيهِمَا وَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا بِجَامِعِ الطَّعْمِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ مَعَ الْقُوتِ وَالْكَيْلِ الْبُرِّ (فَإِنْ تَعَذَّرَ جَمْعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ) فِي رَجُلٍ (فَوَلَّى سُلْطَانٌ لَهُ شَوْكَةٌ فَاسِقًا أَوْ مُقَلِّدًا نَفَذَ) بِالْمُعْجَمَةِ (قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ) لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مَصَالِحُ النَّاسِ قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ تَفَقُّهًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَهَذَا حَسَنٌ (وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ إذَا وَلَّى قَاضِيًا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ) إعَانَةً لَهُ (فَإِنْ نَهَاهُ) عَنْهُ (لَمْ يَسْتَخْلِفْ) وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ إنْ كَانَتْ تَوْلِيَتُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ (فَإِنْ أَطْلَقَ) تَوْلِيَتَهُ فِيمَا لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى بَعْضِهِ (اسْتَخْلَفَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ) لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ (لَا) فِي (غَيْرِهِ) أَيْ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَالْقَادِرُ عَلَى مَا وَلِيَهُ لَا يَسْتَخْلِفُ فِيهِ، فِي الْأَصَحِّ أَيْضًا وَالثَّانِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَسْتَخْلِفُ كَالْإِمَامِ بِجَامِعِ النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ بِأَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْقِيَاسُ مَجِيءُ الْخِلَافِ فِيهِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَمَا ذَكَرَ فِي الِاسْتِخْلَافِ الْعَامِّ وَالِاسْتِخْلَافِ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ، كَتَحْلِيفِ وَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ قَطَعَ الْقَفَّالُ بِجَوَازِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ، هُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا.
(وَشَرْطُ الْمُسْتَخْلَفِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (كَالْقَاضِي) أَيْ كَشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ (إلَّا أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيْحُكُمْ بِاجْتِهَادِهِ) إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا (ثُمَّ اجْتَهَدَ مُقَلَّدُهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (إنْ كَانَ مُقَلِّدًا) بِكَسْرِهَا حَيْثُ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْمُقَلِّدِ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ خِلَافَهُ) أَيْ خِلَافَ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ اجْتِهَادَ مُقَلِّدِهِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِخْلَافُ وَكَذَا لَوْ شَرَطَهُ الْإِمَامُ فِي تَوْلِيَةِ الْقَاضِي لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ (وَلَوْ حَكَّمَ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ (خَصْمَانِ رَجُلًا فِي غَيْرِ حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى جَازَ مُطْلَقًا) عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي (بِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ) مُطْلَقًا (وَقِيلَ) يَجُوزُ (بِشَرْطِ عِدَمِ قَاضٍ بِالْبَلَدِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ) الْجَوَازُ (بِمَالٍ دُونَ قِصَاصٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا) كَاللِّعَانِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَكُلٌّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ طَرِيقَةِ حَاكِيَةِ لِلْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَالْمَنْعُ مِنْهَا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلُ وَالْجَوَازُ مِنْهَا زَائِدٌ عَلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَالتَّعْبِيرُ فِيهِ بِقِيلَ صَحِيحٌ وَلَا يُجْزِئُ التَّحْكِيمُ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَيْسَ لَهَا طَالِبٌ مُعَيَّنٌ , (وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) أَيْ الْمُحَكِّمُ (إلَّا عَلَى رَاضٍ بِهِ فَلَا يَكْفِي رِضَا قَاتِلٍ) بِحُكْمِهِ (فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمْ بِهِ (وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ اُمْتُنِعَ الْحُكْمُ وَلَا يُشْتَرَطُ الرِّضَا بَعْدَ الْحُكْمِ فِي الْأَظْهَرِ)، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَقَبْلِ الْحُكْمِ (وَلَوْ نَصَبَ) الْإِمَامُ (قَاضِيَيْنِ بِبَلَدٍ وَخَصَّ كُلًّا) مِنْهُمَا (بِمَكَانٍ) مِنْهُ (أَوْ زَمَانٍ أَوْ نَوْعٍ) كَالْأَمْوَالِ أَوْ الدِّمَاءِ أَوْ الْفُرُوجِ (جَازَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَخُصَّ) بِمَا ذَكَرَ بَلْ عَمَّمَ وِلَايَتَهُمَا مَكَانًا وَزَمَانًا وَحَادِثَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ (إلَّا أَنْ يَشْرِطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْحُكْمِ) فَلَا يَجُوزُ لِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ كَالْإِمَامِ لَا يَتَعَدَّدُ.

. فَصْلٌ:

إذَا (جُنَّ قَاضٍ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ عَمِيَ أَوْ ذَهَبَتْ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ وَضَبْطِهِ بِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَمْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ) فِي حَالٍ مِمَّا ذُكِرَ وَيَنْعَزِلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي (وَكَذَا لَوْ فَسَقَ) لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يَنْفُذُ كَالْإِمَامِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِحُدُوثِ الْفِتَنِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْقَاضِي (فَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ فِي الْأَصَحِّ)، وَالثَّانِي تَعُودُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ تَوْلِيَةٍ (وَلِلْإِمَامِ عَزْلُ قَاضٍ ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ وَهُنَاكَ) أَيْ فِي حَالِ عَدَمِ الظُّهُورِ (أَفْضَلُ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ وَفِي عَزْلِهِ بِهِ مَصْلَحَةٌ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَزْلِهِ بِهِ مَصْلَحَةٌ، فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ (لَكِنْ يَنْفُذُ الْعَزْلُ فِي الْأَصَحِّ) لِطَاعَةِ السُّلْطَانِ وَالثَّانِي لَا يَنْفُذُ لِانْتِفَاءِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ وَقَوْلُهُ مِثْلُهُ كَذَا دُونَهُ وَقَوْلُهُ فِي عَزْلِهِ إلَخْ قَيَّدَ فِي مِثْلِهِ وَدُونَهُ الصَّالِحِينَ لِلْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ عَزْلُهُ فَلَوْ عَزَلَهُ يَنْعَزِلُ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ خَبَرُ عَزْلِهِ)، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي أَنَّهُ يَنْعَزِلُ كَأَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَكِيلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ عِظَمُ الضَّرَرِ فِي نَقْضِ الْأَقْضِيَةِ دُونَ تَصَرُّفَاتِ الْوَكِيلِ (وَإِذَا كَتَبَ الْإِمَامُ إلَيْهِ إذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَأَنْت مَعْزُولٌ فَقَرَأَهُ انْعَزَلَ وَكَذَا إنْ قُرِئَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) نَظَرًا إلَى أَنَّ الْغَرَضَ إعْلَامُهُ بِصُورَةِ الْحَالِ لَا قِرَاءَتُهُ بِنَفْسِهِ، وَالثَّانِي يَنْظُرُ إلَى صُورَةِ اللَّفْظِ (وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ) أَيْ الْقَاضِي (وَانْعِزَالُهُ مِنْ إذْنٍ لَهُ فِي شُغْلٍ مُعَيَّنٍ كَبَيْعِ مَالِ مَيِّتٍ) أَوْ غَائِبٍ (وَالْأَصَحُّ انْعِزَالُ نَائِبِهِ الْمُطْلَقِ) بِمَا ذُكِرَ (إنْ لَمْ يُؤْذِنْ لَهُ فِي اسْتِخْلَافٍ أَوْ) إنْ (قِيلَ) لَهُ (اسْتَخْلِفْ عَنْ نَفْسِك أَوْ أَطْلَقَ) لَهُ الِاسْتِخْلَافَ (فَإِنْ قِيلَ) لَهُ (اسْتَخْلِفْ عَنِّي فَلَا) يَنْعَزِلُ الْخَلِيفَةُ بِمَا ذَكَرَ، وَالثَّانِي الِانْعِزَالُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ عَدَمُهُ مُطْلَقًا رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ (وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ) وَوَالٍ (بِمَوْتِ الْإِمَامِ) وَانْعِزَالُهُ، لِشِدَّةِ الضَّرَرِ فِي تَعْطِيلِ الْحَوَادِثِ (وَلَا نَاظِرُ يَتِيمٍ وَوَقْفٍ بِمَوْتِ قَاضٍ وَانْعِزَالِهِ) لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ أَبْوَابُ الْمَصَالِحِ (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ انْعِزَالِهِ حَكَمْت بِكَذَا) وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِالْبَيِّنَةِ (فَإِنْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ بِحُكْمِهِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ لَا يَشْهَدْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَالثَّانِي يُقْبَلُ إذْ لَا يَجُرَّ بِشَهَادَتِهِ نَفْعًا إلَى نَفْسِهِ وَلَا يَدْفَعُ ضَرَرًا (أَوْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فِعْلَ نَفْسِهِ فَإِنْ بَيَّنَ بِغَيْرِهِ قُبِلَتْ (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ قَبْلَ عَزْلِهِ حَكَمْت بِكَذَا فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَكَمَعْزُولٍ) فَلَا يُقْبَلُ (وَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَعْزُولٍ) أَيْ ذَكَرَ لِلْقَاضِي (أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ بِرِشْوَةٍ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَالرَّاءُ مُثَلَّثَةٌ (أَوْ شَهَادَةِ عَبْدَيْنِ مَثَلًا) أَيْ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُدَّعِي (أُحْضِرَ وَفُصِلَتْ خُصُومَتُهُمَا وَإِنْ قَالَ حَكَمَ بِعَبْدَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالًا أُحْضِرَ وَقِيلَ لَا حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ) قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَرَجَّحَهُ مُرَجِّحُونَ وَفِي الشَّرْحِ أَنَّهُ أَصَحُّ عِنْدَ الْبَغَوِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ أَصْلُ الرَّوْضَةِ بِتَصْحِيحِهِ (فَإِنْ حَضَرَ) عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَادَّعَى عَلَيْهِ (وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ فَيُصَانُ مَنْصِبُهُ عَنْ التَّحْلِيفِ وَالِابْتِذَالِ بِالْمُنَازَعَاتِ (قُلْت الْأَصَحُّ بِيَمِينٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَالْمُودِعِ وَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ خِيَانَةً وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ أَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي عَاصِمٍ وَالْبَغَوِيِّ، وَأَنَّ الثَّانِيَ أَصَحُّ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ (وَلَوْ ادَّعَى عَلَى قَاضٍ جَوْرًا فِي حُكْمٍ لَمْ يُسْمَعْ) ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ شَرْعًا (وَيُشْتَرَطُ بَيِّنَةٌ) بِهِ فَلَا يَحْلِفُ فِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ) مَا يَدَّعِي بِهِ عَلَيْهِ (بِحُكْمِهِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا) فِيهِ (خَلِيفَتُهُ أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ قَاضٍ آخَرُ.

. فَصْلٌ فِي آدَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا:

(لِيَكْتُبَ الْإِمَامُ لِمَنْ يُوَلِّيهِ) الْقَضَاءَ بِبَلَدٍ كِتَابًا بِهِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهِ «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَفِيهِ الزَّكَاةُ وَالدِّيَاتُ وَغَيْرُهَا (وَيَشْهَدُ بِالْكِتَابِ) أَيْ الْمَكْتُوبِ (شَاهِدَانِ يَخْرُجَانِ مَعَهُ إلَى الْبَلَدِ) بَعُدَ أَوْ قَرُبَ (يُخْبِرَانِ بِالْحَالِ) مِنْ التَّوْلِيَةِ وَغَيْرِهَا وَيَكْفِي إخْبَارُهُمَا بِهَا مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ (وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ) بِهَا (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ، وَالثَّانِي قَالَ التَّوْلِيَةُ عَقْدٌ وَالْعُقُودُ لَا تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا فِي الْبَلَدِ الْقَرِيبِ، وَلَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا (لَا مُجَرَّدُ كِتَابٍ) بِهَا أَيْ لَا يَكْفِي (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي الْمَحْكِيِّ فِي الْوَسِيطِ يَكْفِي لِبُعْدِ الْجَرَاءَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ (وَيَبْحَثُ) بِالرَّفْعِ وَالْمُثَلَّثَةِ (الْقَاضِي عَنْ حَالِ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ وَعُدُولِهِ) قَبْلَ دُخُولِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَحِينَ يَدْخُلُ (وَيَدْخُلُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْأَصْحَابُ فَإِنْ تَعَسَّرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَالْخَمِيسَ وَإِلَّا فَالسَّبْتَ (وَيَنْزِلُ وَسَطَ الْبَلَدِ) بِفَتْحِ السِّينِ لِيَتَسَاوَى أَهْلُهُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ (وَيَنْظُرُ أَوَّلًا فِي أَهْلِ الْحَبْسِ) لِأَنَّهُ عَذَابٌ (فَمَنْ قَالَ حُبِسْت بِحَقٍّ أَدَامَهُ) فِيهِ (أَوْ ظُلْمًا فَعَلَى خَصْمِهِ حُجَّةٌ) وَيُصَدَّقُ الْمَحْبُوسُ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ تَقُمْ (فَإِنْ كَانَ) خَصْمُهُ (غَائِبًا كَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ) عَاجِلًا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَطْلَقَ (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْمَحْبُوسِينَ يَنْظُرُ فِي (الْأَوْصِيَاءِ) بِأَنْ يَطْلُبَهُمْ (فَمَنْ ادَّعَى وِصَايَةً) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا (سَأَلَ عَنْهَا) مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِهَا بِالْبَيِّنَةِ (وَعَنْ حَالِهِ وَتَصَرُّفِهِ فَمَنْ وَجَدَهُ) مُسْتَقِيمَ الْحَالِ قَوِيًّا أَقَرَّهُ أَوْ (فَاسِقًا أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ أَوْ ضَعِيفًا) لِكَثْرَةِ الْمَالِ أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ (عَضَّدَهُ بِمُعَيَّنٍ وَيَتَّخِذُ) بِالْمُعْجَمَةِ (مُزَكِّيًا) بِالزَّايِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَسَيَأْتِي، شَرْطُهُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ (وَكَاتِبًا) لِمَا ذُكِرَ.
(وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَدْلًا عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ) وَكُتُبٍ حُكْمِيَّةٍ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَتَفَرَّغُ لَهَا غَالِبًا (وَيُسْتَحَبُّ) فِيهِ (فِقْهٌ وَوُفُورُ عَقْلٍ وَجَوْدَةُ خَطٍّ) وَضَبْطٌ لِلْحُرُوفِ (وَمُتَرْجِمًا) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ كَلَامِ مِنْ لَا يَعْرِفُ الْقَاضِي لُغَتَهُ مِنْ خَصْمٍ، أَوْ شَاهِدٍ (وَشَرْطُهُ عَدَالَةٌ وَحُرِّيَّةٌ وَعَدَدٌ) كَالشَّاهِدِ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَفَى فِي تَرْجَمَتِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَاشْتَرَطَ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيِّ رَجُلَيْنِ وَيَكْفِي فِي الزِّنَا رَجُلَانِ وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ أَعْمًى) فِي التَّرْجَمَةِ وَالثَّانِي قَاسَهَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا تَفْسِيرٌ لِلَّفْظِ لَا تَحْتَاجُ إلَى مُعَايَنَةٍ وَإِشَارَةٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (اشْتِرَاطُ عَدَدٍ فِي إسْمَاعِ قَاضٍ بِهِ صَمَمٌ) كَالْمُتَرْجِمِ، وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْمُسْمِعَ لَوْ غَيَّرَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ وَالْحَاضِرُونَ بِخِلَافِ الْمُتَرْجِمِ وَعَلَى الثَّانِي يُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ، وَلْيَجْرِ الْخِلَافُ فِي لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَالْحُرِّيَّةِ مَعَ مَا بَعْدَهُ فِي الْمُتَرْجِمِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِإِسْمَاعِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْمَالِ كَمَا فِي الْمُتَرْجِمِ وَأَجَابَ فِي الْوَسِيطِ بِالْمَنْعِ أَمَّا إسْمَاعُ الْخَصْمِ الْأَصَمَّ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي وَالْخَصْمُ فَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ (وَيَتَّخِذُ دِرَّةً) بِالْمُهْمَلَةِ (لِلتَّأْدِيبِ وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ وَلِتَعْزِيرٍ) كَمَا اتَّخَذَهُمَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ مَجْلِسَهُ فَسِيحًا) أَيْ وَاسِعًا لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِضِيقِهِ الْحَاضِرُونَ (بَارِزًا) أَيْ ظَاهِرًا لِيَعْرِفَهُ مَنْ يَرَاهُ (مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ وَبَرْدٍ) وَرِيحٍ وَغُبَارٍ وَدُخَانٍ (لَائِقًا بِالْوَقْتِ) مِنْ صَيْفٍ وَشِتَاءٍ (وَالْقَضَاءُ) بِأَنْ يَكُونَ دَارًا (لَا مَسْجِدًا) فَيُكْرَهُ اتِّخَاذُهُ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ فِي الْأَصَحِّ صَوْنًا لَهُ عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَادَةً، وَلَوْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ أَوْ قَضَايَا وَقْتَ حُضُورِهِ فِي الْمَسْجِدِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَلَا بَأْسَ بِفَصْلِهَا (وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَشِبَعٍ مُفْرِطَيْنِ وَكُلُّ حَالٍ يَمُوءُ خَلْقُهُ) فِيهِ كَمَرَضٍ مُؤْلِمٍ وَخَوْفٍ مُزْعِجٍ.
(وَيُنْدَبُ أَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ) وَمُشَاوِرَتُهُمْ عِنْدَ اخْتِلَافِ وُجُوهِ النَّظَرِ وَتَعَارُضِ الْآرَاءِ (وَ) يُنْدَبُ (أَنْ لَا يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ بِنَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ) لِئَلَّا يُحَابِيَ (فَإِنْ أَهْدَى إلَيْهِ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ أَوْ) غَيْرُهُ وَ (لَمْ يَهْدِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ حُرِمَ قَبُولُهَا) لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَدْعُو إلَى قَوْلٍ إلَيْهِ وَفِي الثَّانِيَةِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ سَبَبُهَا الْعَمَلُ ظَاهِرًا وَلَا تَحْرُمُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَإِنْ كَانَ يُهْدِي) قَبْلَ وِلَايَتِهِ (وَلَا خُصُومَةَ) لَهُ (جَازَ) قَبُولُهَا إذَا كَانَتْ (بِقَدْرِ الْعَادَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا) فَإِنْ زَادَتْ عَلَى الْعَادَةِ حَرُمَ قَبُولُهَا (وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) أَيْ الْقَاضِي (لِنَفْسِهِ وَرَقِيقِهِ وَشَرِيكِهِ فِي الْمُشْتَرِكِ وَكَذَا أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ)، وَرَقِيقُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَشَرِيكُهُ فِي الْمُشْتَرِكِ (عَلَى الصَّحِيحِ)، وَالثَّانِي يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يَنْفُذُ بِعِلْمِهِ قَطْعًا، وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَى الْمَذْكُورِينَ مَعَهُ (وَيَحْكُمُ لَهُ وَلِهَؤُلَاءِ) إذَا وَقَعَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ خُصُومَةٌ (الْإِمَامُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ وَكَذَا نَائِبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي يُنْزِلُهُ مَنْزِلَتَهُ (وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ عِنْدَهُ، أَوْ يَمِينِهِ) أَيْ الْمُدَّعِي بَعْدَ النُّكُولِ (أَوْ الْحُكْمِ بِمَا ثَبَتَ وَالْإِشْهَادُ بِهِ لَزِمَهُ) مَا ذَكَرَ (أَوْ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ) فِي قِرْطَاسٍ أَحْضَرَهُ (مَحْضَرًا بِمَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ أَوْ سِجِلًّا بِمَا حَكَمَ) بِهِ (اسْتَحَبَّ إجَابَتَهُ وَقِيلَ تَجِبُ) كَالْإِشْهَادِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَثْبُتُ حَقًّا بِخِلَافِ الْإِشْهَادِ (وَيُسْتَحَبُّ نُسْخَتَانِ إحْدَاهُمَا لَهُ وَالْأُخْرَى تُحْفَظُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ) وَيُكْتَبُ عَلَى رَأْسِهَا اسْمُ الْخَصْمَيْنِ (وَإِذَا حَكَمَ) الْقَاضِي (بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ بَانَ) حُكْمُهُ (خِلَافَ نَصِّ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ أَوْ نَقَضَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ لَا) قِيَاسٌ (خَفِيٍّ) فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لَهُ وَمِنْ الْجَلِيِّ قِيَاسُ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ لِلْوَالِدَيْنِ، فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} بِجَامِعِ الْإِيذَاءِ، وَمِنْ الْخَفِيِّ قِيَاسُ الْأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا بِعِلَّةِ الطَّعْمِ (وَالْقَضَاءُ) فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ (يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا) فَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ زُورٍ بِظَاهِرِي الْعَدَالَةِ لَمْ يَحْصُلْ بِحُكْمِهِ الْحِلُّ بَاطِنًا سَوَاءٌ الْمَالُ وَالنِّكَاحُ وَغَيْرُهُمَا وَمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ فِيهِ بَاطِنًا أَيْضًا وَكَذَا فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ يَنْفُذُ بَاطِنًا لِمُعْتَقِدِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِمَا لَا يَحِلُّ لِلشَّافِعِيِّ الْأَخْذُ بِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ.
(وَلَا يَقْضِي) الْقَاضِي (بِخِلَافِ عِلْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ)، كَأَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّا ادَّعَاهُ وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَتَلَهُ وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ حَيٌّ فَلَا يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا ذَكَرَ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ) كَأَنْ رَأَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اقْتَرَضَ مِنْ الْمُدَّعِي مَا ادَّعَى بِهِ أَوْ سَمِعَهُ يُقِرُّ بِهِ وَأَنْكَرَ هُوَ ذَلِكَ فَيَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ مُصَرِّحًا بِأَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَالثَّانِي عَلَّلَ بِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً (إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) لِنَدْبِ السَّتْرِ فِي أَسْبَابِهَا وَشَمِلَ غَيْرُ الْمُسْتَثْنِي الْقِصَاصَ وَحَدَّ الْقَاذِفِ فَيَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ كَالْمَالِ وَفِي قَوْلٍ لَا؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ يَسْعَى فِي دَفْعِهَا وَلَا يُوَسَّعُ فِيهَا (وَلَوْ رَأَى وَرَقَةً فِيهَا حُكْمُهُ أَوْ شَهَادَتُهُ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّك حَكَمْت أَوْ شَهِدْت بِهَذَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ حَتَّى يَتَذَكَّرَ) لِإِمْكَانِ التَّزْوِيرِ وَمُشَابَهَةِ الْخَطِّ (وَفِيهِمَا) أَيْ الْعَمَلِ وَالشَّهَادَةِ (وَجْهٌ فِي وَرَقَةٍ مَصُونَةٍ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ الْعَمَلُ وَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ لِلصِّيَانَةِ وَالْوُثُوقِ (وَلَهُ الْحَلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ حَقٍّ أَوْ أَدَائِهِ اعْتِقَادًا عَلَى خَطِّ مُورِثِهِ إذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ وَأَمَانَتِهِ) نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ وَفِيهِمَا عَنْ الشَّامِلِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحَلِفُ عَلَى ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى جَوَازُ الْحَلِفِ عَلَى الْبَتِّ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا نَحْوُهُ (وَالصَّحِيحُ جَوَازُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِخَطٍّ مَحْفُوظٍ عِنْدَهُ) وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَالشَّهَادَةِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِالتَّوْسِعَةِ فِي الرِّوَايَةِ.

. فَصْلٌ:

(لِيُسَوِّ) الْقَاضِي وُجُوبًا وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي دُخُولٍ عَلَيْهِ) بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُمَا فِيهِ (وَقِيَامٍ لَهُمَا) وَنَظَرٍ إلَيْهِمَا (وَاسْتِمَاعٍ) لِكَلَامِهِمَا (وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ) لَهُمَا (وَجَوَابِ سَلَامٍ) مِنْهُمَا (وَمَجْلِسٍ) بِأَنْ يُجْلِسَهُمَا إنْ كَانَا شَرِيفَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ فَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهَا (وَالْأَصَحُّ رَفْعُ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِيهِ) أَيْ الْمَجْلِسِ بِأَنْ يَجْلِسَ الْمُسْلِمُ أَقْرَبَ إلَى الْقَاضِي كَمَا جَلَسَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِجَنْبِ شُرَيْحٍ فِي خُصُومَةٍ لَهُ مَعَ يَهُودِيٍّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالثَّانِي يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِيهِ وَيُشْبِهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَأْتِي عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْوُجُوبُ وَالِاسْتِحْبَابُ السَّابِقَانِ (وَإِذَا جَلَسَا) بَيْنَ يَدَيْهِ مَثَلًا (فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ) حَتَّى يَتَكَلَّمَا (وَ) لَهُ (أَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّمْ الْمُدَّعِي) مِنْكُمَا (فَإِذَا ادَّعَى طَالِبُ خَصْمِهِ بِالْجَوَابِ فَإِنْ أَقَرَّ فَذَاكَ) ظَاهِرٌ (وَإِنْ أَنْكَرَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ وَأَنْ يَسْكُتَ فَإِنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ تَحْلِيفَهُ فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ قَدْ يَحْلِفُ وَيُقِرُّ فَيَسْتَغْنِي الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ حَلَفَ أَقَامَهَا وَأَظْهَرَ كَذِبَهُ فَلَهُ فِي طَلَبِ تَحْلِيفِهِ غَرَضٌ (أَوْ) قَالَ (لَا بَيِّنَةَ لِي) أَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَا حَاضِرَةً وَلَا غَائِبَةً وَحَلَّفَهُ (ثُمَّ أَحْضَرَهَا قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَعْرِفْ لَهُ بَيِّنَةً أَوْ نَسِيَ ثُمَّ عَرَفَ أَوْ تَذَكَّرَ وَالثَّانِي لَا يَقْبَلُ لِلْمُنَاقَضَةِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِكَلَامِهِ تَأْوِيلًا بِمَا ذَكَرَ مِنْ جَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَإِنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةً وَحَلَّفَهُ ثُمَّ أَحْضَرَهَا قُبِلَتْ جَزْمًا فَلَعَلَّهَا حَضَرَتْ وَجَزَمَ الْبَغَوِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِالْقَبُولِ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِيهَا الْوَجْهَيْنِ (وَإِذَا ازْدَحَمَ خُصُومٌ) مُدَّعُونَ (قَدَّمَ الْأَسْبَقَ) فَالْأَسْبَقُ مِنْهُمْ (فَإِنْ جَهِلَ) الْأَسْبَقَ (أَوْ جَاءُوا مَعًا أَقْرَعَ) بَيْنَهُمْ وَقَدَّمَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ (وَيُقَدَّمُ مُسَافِرُونَ مُسْتَوْفِزُونَ) شَدُّوا الرِّحَالَ لِيَخْرُجُوا مَعَ رُفْقَتِهِمْ عَلَى مُقِيمِينَ (وَنِسْوَةٌ) عَلَى رِجَالٍ، (وَإِنْ تَأَخَّرُوا) أَيْ الْمُسَافِرُونَ وَالنِّسْوَةُ فِي الْمَجِيءِ إلَى الْقَاضِي (مَا لَمْ يَكْثُرُوا) وَيَنْبَغِي كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَ كَوْنِهِمْ مُدَّعِينَ وَمُدَّعًى عَلَيْهِمْ وَتَقْدِيمُهُمْ جَائِزٌ رُخْصَةً وَقِيلَ وَاجِبٌ، وَاخْتَارَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَإِنْ كَثُرُوا أَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مُسَافِرِينَ أَوْ نِسْوَةً فَالتَّقْدِيمُ بِالسَّبْقِ أَوْ الْقُرْعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُقَدَّمُ سَابِقٌ وَقَارِعٌ إلَّا بِدَعْوَى) وَاحِدَةٍ لِئَلَّا يَطُولَ عَلَى الْبَاقِينَ وَيَلْحَقُ بِهِمَا الْمُسَافِرُ فِي احْتِمَالٍ لِلرَّافِعِيِّ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَدِّمَ بِجَمِيعِ دَعَاوِيهِ وَهُوَ الْأَرْجَحُ فِي الرَّوْضَةِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْبَاقِينَ إضْرَارًا بَيِّنًا وَإِلَّا فَيُقَدِّمُ بِوَاحِدَةٍ (وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُ شُهُودٍ مُعَيَّنِينَ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ (وَإِذَا شَهِدَ) عِنْدَهُ (شُهُودٌ فَعَرَفَ) فِيهِمْ (عَدَالَةً أَوْ فِسْقًا عَمِلَ بِعِلْمِهِ)، فِيهِمْ فَيَقْبَلُ مَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُ وَيَرُدُّ مَنْ عَرَفَ فِسْقَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فِيهِمْ مَا ذَكَرَ (وَجَبَ الِاسْتِزْكَاءُ بِأَنْ يَكْتُبَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ) مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالْحَرْفِ وَغَيْرِهَا (وَكَذَا قَدْرُ الدَّيْنِ) الْمَشْهُودِ بِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي لَا يَكْتُبُهُ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ فَلَا تَتَجَزَّأُ، وَالْأَوَّلُ قَالَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ذَلِكَ ذِكْرُ الْمَالِ أَطْيَبُ لِقَلْبِ الْمُزَكِّي وَكَثِيرُهُ أَجْدَرُ بِالِاحْتِيَاطِ.
(وَيَبْعَثُ بِهِ) أَيْ بِمَا يَكْتُبُهُ (مُزَكِّيًا)، يَبْحَثُ عَنْ حَالِ مَنْ ذَكَرَ فِي قَبُولِ الشَّاهِدِ فِي نَفْسِهِ وَهَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ شَهَادَتَهُ مِنْ قَرَابَةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ (ثُمَّ يُشَافِهُهُ الْمُزَكِّي بِمَا عِنْدَهُ وَقِيلَ تَكْفِي كِتَابَتُهُ لَهُ وَشَرْطُهُ كَشَاهِدٍ مَعَ مَعْرِفَتِهِ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ) أَيْ أَسْبَابِهِمَا لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِهِمَا (وَخِبْرَةُ بَاطِنِ مَنْ يَعْدِلُهُ) أَوْ يَجْرَحُهُ (لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ) لِيَتَأَتَّى لَهُ التَّعْدِيلُ أَوْ الْجَرْحِ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظِ شَهَادَةٍ) مِنْهُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ أَوْ غَيْرُ عَدْلٍ لِكَذَا وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُهَا (وَأَنَّهُ يَكْفِي هُوَ عَدْلٌ) مَعَ لَفْظِهَا (وَقِيلَ يَزِيدُ عَلَى وَلِيٍّ) وَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ تَأْكِيدٌ (وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ بِخِلَافِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ (وَيَعْتَمِدُ فِيهِ) أَيْ الْجَرْحِ (الْمُعَايَنَةَ أَوْ الِاسْتِفَاضَةَ وَيُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ) لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ (فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ عَرَفْت سَبَبَ الْجَرْحِ وَتَابَ مِنْهُ وَأَصْلَحَ قُدِّمَ) قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ الْجَارِحِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ وَقَدْ غَلِطَ) فِي شَهَادَتِهِ عَلَيَّ وَقِيلَ يَكْفِي فِي حَقِّهِ.

. باب القضاء على الغائب:

الَّذِي يَأْتِي ضَابِطُهُ (هُوَ جَائِزٌ إنْ كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ الْغَائِبِ (بَيِّنَةٌ) بِمَا يُدَّعَى بِهِ (وَادَّعَى الْمُدَّعِي جُحُودَهُ فَإِنْ قَالَ هُوَ سَفَرٌ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ) وَلَغَتْ دَعْوَاهُ (فَإِنْ أَطْلَقَ) أَيْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِجُحُودِهِ وَلَا إقْرَارِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا) أَيْ بَيِّنَتُهُ (تُسْمَعُ) لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَمُ جُحُودَهُ وَلَا إقْرَارَهُ وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعْ عَلَى السَّاكِتِ فَلْتُجْعَلْ غَيْبَتُهُ كَسُكُوتِهِ وَالثَّانِي نَظَرَ إلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَ الْجُحُودِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ نَصْبُ مُسَخَّرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ (يُنْكِرُ عَنْ الْغَائِبِ) لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ مُنْكِرًا وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ وَعَدَمُ اللُّزُومِ يَصْدُقُ بِمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّصْبِ وَعَدَمِهِ (وَيَجِبُ أَنْ يُحَلِّفَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (بَعْدَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ) احْتِيَاطًا لِلْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رُبَّمَا ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ مِنْهُ (وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ) فَلَهُ تَرْكُهُ وَبَابُ تَدَارُكِهِ إنْ كَانَ هُنَاكَ دَافِعٌ غَيْرُ مُنْحَسِمٍ (وَيَجْرِيَانِ) أَيْ الْوَجْهَانِ (فِي دَعْوَى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ)، أَوْ مَيِّتٍ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ وَإِنْ كَانَ فَيَحْلِفُ بِسُؤَالِ الْوَارِثِ وَالْوُجُوبِ فِيهِمْ أَوْلَى لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّدَارُكِ (وَلَوْ ادَّعَى وَكِيلٌ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا تَحْلِيفَ) وَيُعْطِي الْمَالَ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَاكَ مَالٌ.
(وَلَوْ حَضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك أَمَرَ بِالتَّسْلِيمِ) لِلْوَكِيلِ وَلَا يُؤَخِّرُ الْحَقَّ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ وَإِلَّا لَانْجَرَّ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ بِالْوَكَالَةِ، وَيُمْكِنُ ثُبُوتُ الْإِبْرَاءِ مِنْ بَعْدِ أَنْ كَانَتْ لَهُ حُجَّةٌ (وَإِذَا ثَبَتَ) عِنْدَ حَاكِمٍ (مَالٌ عَلَى غَائِبٍ وَلَهُ مَالٌ) حَاضِرٌ (قَضَاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ) لِغَيْبَتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ (فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إنْهَاءَ الْحَالِ) فِي ذَلِكَ (إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ أَجَابَهُ فَيُنْهِي) إلَيْهِ (بِسَمَاعِ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا) ثُمَّ يَسْتَوْفِي الْمَالَ (أَوْ) يُنْهِي إلَيْهِ (حُكْمًا) إنْ حَكَمَ (لِيَسْتَوْفِيَ) الْمَالَ (وَإِلَّا نَهَاهُ أَنْ يُشْهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ)، يُؤَدِّيَانِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْآخَرِ (وَيُسْتَحَبُّ كِتَابٌ بِهِ يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ) وَالْمَحْكُومُ لَهُ (وَيَخْتِمُهُ) وَيَحْمِلُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ وَيَخْرُجُ إلَيْهِ الْعَدْلَانِ وَيَقِفُ عَلَى مَا فِيهِ (وَيَشْهَدَانِ) عِنْدَهُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَاكِمِ بِهِ (إنْ أَنْكَرَ) الْخَصْمُ الْمُحْضِرُ لِلْقَاضِي أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ فِيهِ عَلَيْهِ (فَإِنْ قَالَ لَسْت الْمُسَمَّى فِي الْكِتَابِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ فَإِنْ أَقَامَهَا فَقَالَتْ لَسْت الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ)، وَلَا يُبَالِي بِقَوْلِهِ (فَإِنْ كَانَ) هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ (أَحْضَرَ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ طُولِبَ وَتَرَكَ الْأَوَّلَ وَإِلَّا بَعَثَ إلَى) الْحَاكِمِ (الْكَاتِبَ لِيَطْلُبَ مِنْ الشُّهُودِ زِيَادَةَ صِفَةٍ تُمَيِّزُهُ وَيَكْتُبُهَا ثَانِيًا وَلَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ فَفِي إمْضَائِهِ إذَا عَادَ إلَى وِلَايَتِهِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَلَوْ نَادَاهُ) كَائِنَيْنِ (فِي طَرَفَيْ وِلَايَتَيْهِمَا أَمْضَاهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ كَتَبَ سَمِعْت بَيِّنَةً عَلَى فُلَانٍ، وَيُسَمِّيهَا إنْ لَمْ يَعْدِلْهُمَا وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ عَدَلَهَا (فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ) هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ لَا يَجُوزُ وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْأَشْبَهِ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ خِلَافٌ (وَالْكِتَابُ بِالْحُكْمِ يَمْضِي مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ) كَبُعْدِهَا (وَبِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا مَسَافَةَ قَبُولِ شَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ) وَهِيَ كَمَا سَيَأْتِي مَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرًا إلَى مَوْضِعِهِ لَيْلًا وَقِيلَ هِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَالثَّانِي يَقْبَلُ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَمُنْتَهَاهُ مَسَافَةُ الْعَدْوَى.

. فَصْلٌ:

(ادَّعَى عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهَا كَعَقَارٍ وَعَبْدٍ وَفَرَسٍ مَعْرُوفَاتٍ) فِيهِ تَغْلِيبُ غَيْرِ الْعَاقِلِ الْأَكْثَرِ (سَمِعَ) الْقَاضِي (بَيِّنَتَهُ وَحَكَمَ بِهَا وَكَتَبَ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ لِيُسَلِّمَهُ لِلْمُدَّعِي وَيَعْتَمِدَ فِي الْعَقَارِ حُدُودَهُ) الْأَرْبَعَةِ (أَوْ لَا يُؤْمَنُ) اشْتِبَاهُهَا كَغَيْرِ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ (فَالْأَظْهَرُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ) فِيهَا اعْتِمَادًا عَلَى الصِّفَاتِ وَالثَّانِي قَالَ الصِّفَاتُ تَتَشَابَهُ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يُبَالِغُ الْمُدَّعِي فِي الْوَصْفِ) مَا أَمْكَنَهُ (وَيَذْكُرُ) مَعَهُ (الْقِيمَةَ) فِي الْمُتَقَوِّمِ وَغَيْرِهِ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهَا) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ لِخَطَرِ الِاشْتِبَاهِ وَمُقَابِلُهُ مَا يَنْظُرُ إلَى ذَلِكَ (بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ بِمَا شَهِدْت بِهِ فَيَأْخُذُهُ وَيَبْعَثُهُ إلَى الْكَاتِبِ لِيَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهِ وَالْأَظْهَرُ) فِي طَرِيقِهِ (أَنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُدَّعِي بِكَفِيلٍ بِبَدَنِهِ)، وَالثَّانِي بِكَفِيلٍ بِالثَّمَنِ (فَإِنْ شَهِدُوا بِعَيْنِهِ كَتَبَ بِبَرَاءَةِ الْكَفِيلِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعِي مُؤْنَةُ الرَّدِّ أَوْ غَائِبَةٍ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا الْبَلَدِ أَمَرَ بِإِحْضَارِ مَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ لِيَشْهَدُوا بِعَيْنِهِ وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِصِفَةٍ)، وَمَا لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ كَالْعَقَارِ يَحُدُّهُ الْمُدَّعِي وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْحُدُودِ وَلَوْ كَانَ مَشْهُورًا لَا يَشْتَبِهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْدِيدِهِ (وَإِذَا وَجَبَ إحْضَارٌ فَقَالَ لَيْسَ بِيَدَيْ عَيَّنَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِهِ (لِلْمُدَّعِي دَعْوَى الْقِيمَةِ فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (فَحَلَفَ الْمُدَّعِي أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً) حِينَ أَنْكَرَ (كُلِّفَ الْإِحْضَارَ وَحُبِسَ عَلَيْهِ وَلَا يُطْلَقُ إلَّا بِإِحْضَارٍ أَوْ دَعْوَى تَلَفٍ) فَتُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِيمَةُ (وَلَوْ شَكَّ الْمُدَّعِي هَلْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَيَدَّعِي قِيمَةً أَمْ لَا فَيَدَّعِيَهَا) أَيْ الْعَيْنَ (فَقَالَ غُصِبَ مِنِّي كَذَا فَإِنْ بَقِيَ لَزِمَهُ رَدُّهُ) إلَيَّ (وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ)، وَيَحْلِفُ غَرِيمُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْعَيْنِ وَلَا قِيمَتُهَا (وَقِيلَ لَا) تُسْمَعُ (بَلْ يَدَّعِيهَا) أَيْ الْعَيْنَ (وَيُحَلِّفُهُ ثُمَّ يَدَّعِي الْقِيمَةَ) وَيُحَلِّفُهُ (وَيَجْرِيَانِ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ لِدَلَّالٍ لِيَبِيعَهُ فَجَحَدَهُ وَشَكَّ هَلْ بَاعَهُ فَيَطْلُبُ الثَّمَنَ أَمْ أَتْلَفَهُ فَقِيمَتُهُ أَمْ هُوَ بَاقٍ فَيَطْلُبُهُ)، أَيْ أَيَدَّعِي ذَلِكَ فِي دَعْوَى أَوْ فِي ثَلَاثِ دَعَاوَى وَيَحْلِفُ الْخَصْمُ عَلَى الْأَوَّلِ يَمِينًا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ رَدُّ الثَّوْبِ وَلَا ثَمَنُهُ وَلَا قِيمَتُهُ وَعَلَى الثَّانِي ثَلَاثُ أَيْمَانٍ (وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْإِحْضَارَ) لِلْمُدَّعِي (فَثَبَتَ لِلْمُدَّعِي اسْتَقَرَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُدَّعِي (فَهِيَ) أَيْ مُؤْنَةُ الْإِحْضَارِ (وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُدَّعِي)

. فَصْلٌ:

(الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ) بِهَا (عَلَيْهِ مَنْ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَهِيَ الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرًا إلَى مَوْضِعِهِ لَيْلًا وَقِيلَ) هِيَ (مَسَافَةُ قَصْرٍ وَمَنْ بِقَرِيبَةٍ) وَهِيَ دُونَ الْبَعِيدَةِ بِوَجْهَيْهَا (كَحَاضِرٍ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ وَلَا يَحْكُمُ) عَلَيْهِ (بِغَيْرِ حُضُورِهِ إلَّا لِتَوَارِيهِ أَوْ تَعَزُّزِهِ)، فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُضُورِهِ (وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَمَنْعُهُ فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى) كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ، وَالْمُفَرِّقُ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا يُوَسَّعُ بَابُهَا وَالثَّالِثُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا كَالْمَالِ فَيَكْتُبُ الْقَاضِي إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ بِالْعُقُوبَةِ (وَلَوْ سَمِعَ بَيِّنَةً عَلَى غَائِبٍ فَقَدَّمَ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَسْتَعِدْهَا) أَيْ لَمْ يَجِبْ اسْتِعَادَتُهَا (بَلْ يُخَيِّرُهُ) بِالْحَالِ (وَيُمَكِّنُهُ مِنْ جَرْحٍ) لِلْبَيِّنَةِ وَالْقَادِمُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَى حُجَّتِهِ بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْجَرْحِ يَوْمَ الشَّهَادَةِ (وَلَوْ عَزَلَ بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ وَلِيَ وَجَبَتْ الِاسْتِعَادَةُ)، لِلْبَيِّنَةِ (وَإِذَا اسْتَعْدَى عَلَى حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ) أَيْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي إحْضَارَهُ (أَحْضَرَهُ بِدَفْعِ خَتْمِ طِينٍ رَطْبٍ أَوْ غَيْرِهِ)، لِلْمُدَّعِي بِعَرْضِهِ عَلَى الْخَصْمِ وَلْيَكُنْ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ أَجِبْ الْقَاضِيَ فُلَانًا (أَوْ بِمُرَتَّبٍ لِذَلِكَ) مِنْ الْأَعْوَانِ بِبَابِ الْقَاضِي وَمُؤْنَتِهِ عَلَى الطَّالِبِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمَطْلُوبُ (بِلَا عُذْرٍ أَحْضَرَهُ بِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَعَزَّرَهُ) بِمَا يَرَاهُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ امْتَنَعَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَكَّلَ مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ فَإِنْ وَجَبَ تَحْلِيفُهُ بَعَثَ الْقَاضِي إلَيْهِ مَنْ يُحَلِّفُهُ (أَوْ) عَلَى (غَائِبٍ فِي غَيْرِ) مَحَلِّ (وِلَايَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ إحْضَارُهُ أَوْ فِيهَا وَلَهُ هُنَاكَ نَائِبٌ لَمْ يَحْضُرْهُ بَلْ يَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ) عَلَيْهِ (وَيَكْتُبُ إلَيْهِ) بِذَلِكَ (أَوْ لَا نَائِبَ) لَهُ هُنَاكَ (فَالْأَصَحُّ يُحْضِرُهُ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَقَطْ وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرًا لَيْلًا) إلَى مَوْضِعِهِ، وَالثَّانِي مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَالثَّالِثُ مِنْ أَيِّ مَسَافَةٍ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ لَكِنْ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ إلَى بَلَدِهِ مَنْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ لَا تَحْضُرُ) أَيْ لَا تُكَلَّفُ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَلْ تُوَكَّلُ، وَالثَّانِي تَحْضُرُ كَغَيْرِهَا (وَهِيَ مَنْ لَا يَكْثُرُ خُرُوجُهَا لِحَاجَاتٍ) كَشِرَاءِ خُبْزٍ وَقُطْنٍ وَبَيْعِ غَزْلٍ وَنَحْوِهَا، بِأَنْ لَمْ تَخْرُجْ أَصْلًا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ لَمْ تَخْرُجْ إلَّا قَلِيلًا لِحَاجَةٍ وَمِنْهَا الْعَزَاءُ وَالزِّيَارَةُ وَالْحَمَّامُ.